سورة سبأ - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} ملكًا وخلقًا، {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ} كما هو له في الدنيا، لأن النعم في الدارين كلها منه.
وقيل: الحمد لله في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال الله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} [فاطر- 34]، و{الحمد لله الذي صدقنا وعده} [الزمر- 74]. {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ} أي: يدخل فيها من الماء والأموات، {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من النبات والأموات إذا حشروا، {وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ} من الأمطار، {وَمَا يَعْرُجُ} يصعد، {فِيهَا} من الملائكة وأعمال العباد، {وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ}.


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} قرأ أهل المدينة والشام: {عالمُ} بالرفع على الاستئناف، وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب، أي: وربيّ عالم الغيب، وقرأ حمزة والكسائي: {عَلامِ} على وزن فعال، وجر الميم. {لا يَعْزُبُ} لا يغيب، {عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} وزن ذرة {فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ} أي: من الذرة، {وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ} يعني: الذين آمنوا، {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} حسن، يعني: في الجنة. {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} يحسبون أنهم يفوتوننا، {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب: {أليمٌ} بالرفع هاهنا وفي الجاثية على نعت العذاب، وقرأ الآخرون بالخفض على نعت الرجز، وقال قتادة: الرجز سوء العذاب. {وَيَرَى الَّذِينَ} أي: ويرى الذين، {أُوتُوا الْعِلْمَ} يعني: مؤمني أهل الكتاب: عبد الله ابن سلام وأصحابه. وقال قتادة: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، {الَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} يعني: القرآن، {وَهُوَ الْحَقُّ} يعني: أنه من عند الله، {وَيَهْدِي} يعني: القرآن، {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} وهو الإسلام.


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} منكرين للبعث متعجبين منه: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم، {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} قطعتم كل تقطيع وفرقتم كل تفريق وصرتم ترابا {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} يقول لكم: إنكم لفي خلق جديد. {أَافْتَرَى} ألف استفهام دخلت على ألف الوصل ولذلك نصبت، {عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} يقولون: أزعم كذبا أم به جنون؟.
قال الله تعالى ردا عليهم: {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ} من الحق في الدنيا. {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها، وأنا القادر عليهم، {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ} قرأ الكسائي: {نخسف بهم} بإدغام الفاء في الباء، {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} قرأ حمزة والكسائي: {إن يشأ يخسف}، {أو يسقط}، بالياء فيهن لذكر الله من قبل، وقرأ الآخرون بالنون فيهن، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: فيما ترون من السماء والأرض، {لآيَةً} تدل على قدرتنا على البعث، {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} تائب راجع إلى الله بقلبه. قوله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا} يعني النبوة والكتاب، وقيل: الملك. وقيل: جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به، {يَا جِبَالُ} أي: وقلنا يا جبال، {أَوِّبِي} أي: سبحي، {مَعَهُ} إذا سبح، وقيل: هو تفعيل من الإياب وهو الرجوع، أي: رجِّعي معه وقال القتيبي: أصله من التأويب في السير، وهو أن يسير النهار كله وينزل ليلا كأنه قال أوِّبي النهار كله بالتسبيح معه. وقال وهب: نوحي معه.
{وَالطَّيْرَ} عطف على موضع الجبال، لأن كل منادى في موضع النصب. وقيل: معناه: وسخرنا وأمرنا الطير أن تسبح معه، وقرأ يعقوب: {والطّيرُ} بالرفع ردا على الجبال، أي: أوبي أنت والطير. وكان داود إذا نادى بالناحية أجابته الجبال بصداها وعكفت الطير عليه من فوقه، فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك.
وقيل: كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح.
وقيل: كان داود عليه السلام إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطا له. {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} حتى كان الحديد في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة.
وكان سبب ذلك على ما روي في الأخبار: أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج للناس متنكرا، فإذا رأى رجلا لا يعرفه تقدم إليه وسأله عن داود ويقول له: ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو؟ فيثنون عليه، ويقولون خيرا، فقيض الله له ملكا في صورة آدمي، فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله، فقال الملك: نعم الرجل هو لولا خصلة فيه، فراع داود ذلك وقال: ما هي يا عبد الله؟ قال: إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال، قال فتنبه لذلك وسأل الله أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال، فيتقوت منه ويطعم عياله، فألان الله تعالى له الحديد وعلمه صنعة الدرع، وإنه أول من اتخذها. ويقال: إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف درهم، فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين.
ويقال إنه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم، فينفق ألفين منها على نفسه وعياله، ويتصدق بأربعة آلاف على فقراء بني إسرائيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6